المغرب يحتل المرتبة 84 عالميا من أصل 192 دولة في مؤشر التنافسية المستدامة العالمي
احتلّ المغرب المرتبة 84 عالميا من أصل 192 دولة في مؤشر التنافسية المستدامة العالمي، محققا 46.82 نقطة من أصل 100 في تصنيف يعكس أداء متوسطا في تحقيق تنمية اقتصادية تراعي الأبعاد الاجتماعية والبيئية والمؤسسية، ويضع المملكة التي تجاوزت كل من تونس وجنوب أفريقيا قاريا في موقع وسطي بين الدول الأعلى تنافسية وتلك التي تواجه اختلالات أعمق في مسار الاستدامة.
جاء ذلك، في تقرير التنافسية المستدامة العالمي لسنة 2025، الصادر عن مركز البحوث المستقل SolAbility، إذ لا يظهر المغرب كحالة استثنائية بقدر ما يُدرجه ضمن فئة الدول التي قطعت أشواطا في مسار التنمية، لكنها لم تنجح بعد في تحويل هذا المسار إلى نموذج تنافسي مستدام بالمعنى الكامل للكلمة.
فبحسب التقرير، الذي شمل 192 دولة حول العالم، حلّ المغرب في المرتبة 84 عالميا ضمن مؤشر Global Sustainable Competitiveness Index 2025، محققا 46.82 نقطة من أصل 100 وهو تصنيف يعكس أداء متوسطا في الجمع بين النمو الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والاستدامة البيئية والمؤسسية.
وهذا الترتيب، يضع المملكة في موقع وسطي واضح فهي ليست ضمن الدول ذات الأداء المرتفع التي نجحت في تحويل الاستدامة إلى رافعة تنافسية بنيوية، ولا ضمن الدول الأضعف التي تعاني انهيارا حادا في مقوماتها الاقتصادية أو الاجتماعية.
ويشير التقرير إلى أن هذا الموقع الوسطي يعكس مزيجا من التقدم النسبي في بعض المؤشرات، مقابل استمرار تحديات هيكلية في مؤشرات أخرى تحدّ من قدرة الاقتصاد المغربي على تحقيق تنافسية مستدامة طويلة الأمد.
ومن بين أبرز المعطيات التي يسجلها التقرير، احتلال المغرب المرتبة 62 عالميا في مؤشر رأس المال الفكري والابتكار، وهو ترتيب متقدم نسبيا على الصعيد الإفريقي، حيث يتجاوز دولا وازنة مثل تونس (المرتبة 95) وجنوب إفريقيا (المرتبة 127).
ويعكس هذا المؤشر تحسنا في عناصر مرتبطة بالتعليم، وبناء القدرات البشرية وبعض جوانب الابتكار غير أن التقرير يلفت في المقابل إلى أن هذا الأداء لا يزال بعيدا عن مستويات الدول الرائدة عالميا في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والاقتصاد القائم على المعرفة، ما يبرز وجود فجوة مستمرة بين تراكم رأس المال البشري وقدرته على إنتاج قيمة اقتصادية مستدامة.
ويعتمد مؤشر التنافسية المستدامة في تصنيفه العام، على ستة أبعاد رئيسية تشكل مجتمعة صورة شاملة لقدرة الدول على تحقيق تنمية متوازنة وقابلة للاستمرار وتشمل هذه الأبعاد رأس المال الفكري، رأس المال الطبيعي، رأس المال الاجتماعي، الاستدامة الاقتصادية، الحوكمة، وكفاءة استخدام الموارد.
ووفق التقرير، فإن أداء المغرب يتسم بالتفاوت بين هذه الأبعاد، حيث يسجل مستويات متوسطة في الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، مقابل تحديات أكثر وضوحا في مجالات المياه والطاقة والحوكمة.
في هذا السياق، يبرز التقرير أن الضغط المتزايد على الموارد الطبيعية خصوصا المياه والطاقة، يمثل أحد أهم التحديات البنيوية التي تواجه الاقتصاد المغربي، ويؤثر بشكل مباشر على قدرته التنافسية المستقبلية فضعف كفاءة استخدام الموارد وارتفاع كلفة الندرة يحدّان من أثر السياسات الاقتصادية ويجعلان أي تحسن ظرفي في مؤشرات النمو عرضة للتآكل على المدى المتوسط.
كما يشير التقرير إلى أن تحسين الحوكمة يظل عنصرا حاسما لتعزيز فعالية السياسات العمومية وضمان ترجمتها إلى نتائج ملموسة في مجالات العدالة الاجتماعية وحماية الموارد.
وعلى المستوى القاري، يضع التقرير المغرب ضمن نفس الإطار العام الذي تعيشه معظم الدول الإفريقية حيث يلاحظ أن القارة، رغم تسجيلها بعض حالات التقدم الجزئي لا تزال تواجه صعوبات بنيوية في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات الاستدامة.
غير أن التقرير يؤكد في المقابل أن المغرب، على غرار عدد من الدول الإفريقية، يمتلك هامشا لتحسين موقعه العالمي خلال السنوات المقبلة، شريطة اعتماد استثمارات متوازنة تشمل التعليم، والابتكار، وحماية الموارد الطبيعية، وتحسين الحوكمة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
ولا يقتصر التقرير على تشخيص الوضع المغربي بمعزل عن السياق الدولي، بل يضعه ضمن صورة عالمية أوسع إذ يؤكد أن 84 في المائة من دول العالم لا تزال دون مستويات مستدامة مرضية وفق معايير المؤشر ما يعكس أن إشكالية الاستدامة أصبحت تحديا كونيا يتجاوز الفوارق التقليدية بين الشمال والجنوب.
وفي المقابل، يلاحظ التقرير هيمنة الدول الأوروبية الشمالية على المراتب الأولى في المؤشر، نتيجة اعتمادها سياسات طويلة الأمد تقوم على التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة وتحسين جودة الحكامة.
ويخلص تقرير SolAbility إلى أن التقدم نحو التنافسية المستدامة لم يعد مسألة تحسين مؤشرات اقتصادية منفصلة، بل رهين بقدرة الدول على تبني سياسات متكاملة تراعي الترابط بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة والمؤسسات.
وفي حالة المغرب، فإن المرتبة 84 عالميا، والمرتبة 62 في رأس المال الفكري، تعكسان مسارا تنمويا في طور التشكل، يحقق بعض النجاحات الجزئية، لكنه يظل مطالبا بتجاوز اختلالات هيكلية عميقة، إذا ما أراد الانتقال من موقع الأداء المتوسط إلى خانة الاقتصادات القادرة على ضمان تنافسية مستدامة في عالم يتغير بسرعة.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد كسّال، أن "قيمة هذا النوع من المؤشرات لا تكمن في الترتيب في حد ذاته، بل في قدرته على كشف طبيعة النمو الذي نحققه هل هو نمو يُراكِم رأس المال على المدى الطويل، أم نمو يستهلك شروط استمراريته بصمت؟".
وأوضح الخبير في تصريح لـ "الصحيفة" أن "الاقتصاد المغربي أظهر خلال السنوات الأخيرة قدرة على الصمود وجذب الاستثما، لكن هذا الصمود لا يزال هشّا لأنه غير مؤطَّر بما يكفي بمنطق الإنتاجية المستدامة" معتبرا أن "التنافسية الحقيقية اليوم لم تعد مرتبطة بانخفاض كلفة اليد العاملة أو توسع البنيات التحتية فقط، بل بقدرة الاقتصاد على إنتاج قيمة عالية بأقل كلفة بيئية ومؤسساتية ممكنة".
وأبرز كسّال أن "التحدي المركزي هو كسر الحلقة التي تجعل النمو رهينا بالضغط على الموارد الطبيعية خصوصا الماء والطاقة، لأن كل توسع اقتصادي غير مصحوب بتحول في نمط الاستهلاك والإنتاج يتحول بعد سنوات قليلة إلى عبء مالي واجتماعي" محذرا من أن "تأجيل هذا التحول يرفع كلفة الإصلاح مستقبلا بدل أن يخفضها".
ويخلص الخبير إلى أن "الرهان الاقتصادي في المرحلة المقبلة ليس تحقيق نسب نمو أعلى بل بناء نمو أذكى قادر على امتصاص الصدمات المناخية، وتقليص التفاوتات الاجتماعية، وتحسين مردودية السياسات العمومية، لأن هذه العناصر وحدها هي التي تصنع تنافسية قابلة للاستمرار في الاقتصاد العالمي الجديد".




